جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك.
الكنز الثمين
104504 مشاهدة
أهلية النبي صلى الله عليه وسلم لهذه الرسالة

الأمر الأول: أهلية النبي -صلى الله عليه وسلم- لهذه الرسالة.
قال الله تعالى: وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ .
وقال تعالى: اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ .
وقال تعالى: وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ .
ونحو هذه الآيات التي تفيدنا بأن رسل الله من البشر هم الذين فضلهم واجتباهم وطهرهم، حتى أصبحوا أهلا لحمل رسالته، وأمناء على شرعه ودينه، ووسطاء بينه وبين عباده.
وقد ذكر الله عن بعض الأمم المكذبة للرسل أنهم قالوا لرسلهم: إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا فكان جواب الرسل أن قالوا: إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ .
وحيث إن نبينا محمدا -صلى الله عليه وسلم- هو خاتم الرسل وأفضلهم، وقد خصه بما لم يحصل لغيره ممن قبله، فإنه بلا شك على جانب كبير من هذا الاصطفاء والاختيار الذي أصبح به مرسلا إلى عموم الخلق من الجن والإنس، وقد قال الله تعالى له: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ .
وفي صحيح مسلم عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان خلقه القرآن تعني أنه يطبق ما فيه من مكارم الأخلاق، ومحاسن الأعمال التي يشهد بحسنها وملاءمتها كل عاقل، فلقد كان قبل نزول الوحي عليه، على جانب كبير من الأمانة والصدق والوفاء والعفاف ونحوها، حتى كان أهل مكة يعرفونه بالصادق الأمين، وقد تضاعفت وتمكنت فيه تلك الأخلاق بعد النبوة، فكان يتحلى بأعظم درجات الكرم والجود والحلم والصبر، والمروءة والشكر، والعدل والنزاهة، والتواضع والشجاعة... إلخ، كما يوجد ذلك مدونا بأمثلة رائعة في كتب السيرة والتأريخ ولا يخالف في ذلك إلا من أنكر المحسوسات.
وهكذا كان -صلى الله عليه وسلم- مبرءا عن النقائص ومساوئ الخلاق التي تزيل الحشمة وتسقط المروءة، وتلحق بفاعلها الإزراء والخسة: كالبخل والشح، والظلم والجور، والكبر والكذب والجبن والعجز والكسل، والسرقة والخيانة ونحوها.